الابتزاز العاطفي: حين يتحول الحب داخل الأسرة إلى سلاح للسيطرة

أ.د. جهان العمران

إن الابتزاز العاطفي داخل الأسرة من أكثر أشكال الاستغلال النفسي إيلاماً، لأنه يحدث في محيط يفترض أن يكون مصدر أمان وطمأنينة. حين يستخدم الزوج أو الزوجة مشاعر الحب والارتباط سلاحاً للسيطرة، تتحول العلاقة من شراكة تقوم على الاحترام المتبادل إلى ساحة ضغوط وتلاعب. وقد يظهر ذلك مثلاً حين تلجأ الزوجة إلى أشكال مختلفة من الابتزاز العاطفي مع زوجها، فتربط حبها وحنانها بتحقيق مطالبها، كأن تقول: «إن لم تشترِ لي ما أريد فسأشعر أنك لا تحبني»، أو تمتنع عن الاهتمام والدفء العاطفي لتجبره على الاستجابة، وأحياناً تستخدم أسلوب المقارنة بغيره بقولها: «انظر إلى زوج فلانة كيف يهتم بزوجته» فتدفعه للشعور بالذنب والتقصير، وقد تعمد إلى الامتناع عن واجباتها الأسرية، أو تهدد بالعودة إلى بيت أهلها إذا رفض تلبية رغباتها، وهكذا يتحول الحب من قيمة ثابتة إلى أداة ضغط تستنزف العلاقة وتفقدها توازنها.

كما قد يمارس بعض الأزواج بدورهم ابتزازاً عاطفياً تجاه زوجاتهم بطرق مختلفة، كأن يقول الزوج لزوجته: «إن كنتِ تحبيني حقاً فعليكِ ترك عملك والبقاء في البيت لأجلي»، أو يلوّح بالبرود العاطفي والصمت إذا لم تُطِع أوامره، وأحياناً يهددها بالزواج بأخرى أو بحرمانها من النفقة والاهتمام إن لم تستجب، وهو بذلك يجعل حبها وأمانها مرتبطين بشروط يفرضها، فيحوّل العلاقة الزوجية من ساحة مودة ورحمة إلى ميدان ضغوط نفسية تضعف الثقة، وتهزّ الاستقرار الأسري.

وإن ابتزاز الأم لطفلها عاطفياً من أكثر الممارسات التي قد تُلحق الأذى النفسي بالطفل من دون أن تشعر، إذ قد تقول له: «لن أحبك إذا لم ترتب غرفتك» أو «إن لم تأكل طعامك، فلن أجلس معك»، فتجعله يربط الحب والاهتمام بتنفيذ الأوامر. ومع تكرار هذه الرسائل ينمو الطفل معتقداً أن قيمته مرهونة برضا الآخرين، وأن القبول العاطفي لا يُمنح له لذاته، بل لسلوكه فقط. هذا الأسلوب قد يدفعه إلى الطاعة المؤقتة، لكنه على المدى الطويل يزرع داخله شعوراً بالخوف والقلق من فقدان الحب، ويضعف ثقته بنفسه، وينشأ لديه سلوك غير سوي وهو محاولة يائسة لإرضاء الآخرين مهما كان الثمن غالياً.

لمواجهة هذه الممارسات، من المهم إدراك أن الحب الأسري لا ينبغي أن يكون أداة ضغط، بل قيمة ثابتة تعطي الأمان والاستقرار، فالزوجان مثلاً يمكن أن يختلفا ويتفاوضا حول قرارات حياتهما دون تهديد أو تلاعب، بل عبر الحوار الصريح والاحترام المتبادل.

والأم بدلاً من تهديد طفلها بحرمانه من حبها، تستطيع استخدام أساليب تربوية أكثر صحة، مثل شرح النتائج الطبيعية لسلوكه أو تعزيز السلوك الإيجابي بتشجيع وقبول غير مشروط.

إن الأسرة هي نواة المجتمع، وما يُبنى فيها من ثقة وأمان عاطفي ينعكس لاحقاً على شخصية الأفراد وقدراتهم على التكيف مع محيطهم. لذلك، فإن التحرر من دائرة الابتزاز العاطفي داخل البيت يبدأ بالوعي، والتزام كل طرف بأن يجعل من مشاعر المودة والحب دعامة ثابتة لا وسيلة للضغط. حينها فقط تتحول العلاقات الزوجية والوالدية إلى علاقات ناضجة تنمي الاحترام والثقة، وتغرس في الأبناء إحساساً راسخاً بأنهم محبوبون لذواتهم لا لما يحققونه من شروط.

* أستاذة جامعية في علم النفس


مصدر الخبر

شاهد أيضاً

كاتي رامزي: البحرين تمثل فرصة لعقد اتفاقيات شراكة بالمنطقة

كاتي رامزي: البحرين تمثل فرصة لعقد اتفاقيات شراكة بالمنطقة

أيمن شكل أكدت رئيسة قسم التكنولوجيا المالية في وزارة الأعمال والتجارة التابعة لحكومة المملكة المتحدة، …