«الإنسان البحريني.. جوهر الرؤية وركيزة الدولة»


جاءت الكلمة السامية لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المعظم حفظه الله ورعاه، في افتتاح دور الانعقاد الرابع من الفصل التشريعي السادس، لتجسّد رؤيةً ملكيةً متكاملةً ترتكز على ثوابت الدولة البحرينية، التي جعلت من الإنسان أساساً للبناء، وغايةً لكل تشريعٍ وسياسةٍ وإنجاز.

افتتح جلالته كلمته بإشادةٍ رفيعةٍ بأداء السلطة التشريعية، مؤكداً أن ما تمارسه من عملٍ تشريعيٍ ورقابي هو ثمرة تجربةٍ راسخةٍ تمتد جذورها إلى عهد الآباء المؤسسين، الذين أرسوا مبادئ الحكم على أُسس الشريعة الإسلامية الغرّاء، والشورى، والعدل والإحسان، والتضحية في سبيل الوطن، وصون القيم والعادات الأصيلة. وهي إشارة عميقة الدلالة إلى أن مسيرة الدولة البحرينية الحديثة إنما تنبثق من إرثٍ أصيلٍ ومبادئ متوارثةٍ صانت سيادتها ورسّخت مؤسساتها الدستورية.

وفي هذا السياق، أكد جلالته أن التعاون الوثيق بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، تحت إشراف صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، يشكّل ركيزةً من ركائز العمل الوطني، وما يثمر عنه من إنجازاتٍ تشريعيةٍ نوعيةٍ يلبّي طموحات الوطن والمواطن.

ومن بين هذه الإنجازات، تبرز التعديلات المرتقبة على قانون تنظيم الصحافة والطباعة والنشر، والتي وصفها جلالته بأنها خطوة تؤكد القيمة الدستورية لحرية الرأي والتعبير، وترسّخ المكانة الرفيعة للإعلام الوطني بمختلف وسائله.

وقد حمل هذا التأكيد الملكي دلالةً ساميةً بأن حرية الرأي والتعبير ليست امتيازاً يمنح، بل هي ركنٌ من أركان كرامة الإنسان، وحقٌ أصيلٌ كفله الدستور، ورافعةٌ لبناء وعيٍ وطنيٍ ناضجٍ يُسهم في مسيرة التنمية ويصون مكتسبات الوطن.

ومن ذات الرؤية الإنسانية، أشار جلالته بإعزازٍ إلى المبادرة الوطنية التي أعلن عنها سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء لتوسيع آفاق التوظيف لأبناء وبنات البحرين، مثمّناً دعم غرفة تجارة وصناعة البحرين والقطاع الخاص، ومؤكداً أن المشاركة الوطنية في سوق العمل تُمثّل واجباً ومسؤوليةً مشتركةً لترسيخ كرامة المواطن وتعزيز دوره في بناء الاقتصاد الوطني.

ولأن الإنسان هو محور التنمية وغايتها، فقد جعل جلالته الهوية الوطنية في مقدمة أولويات المرحلة المقبلة، بوصفها السياج الذي يحفظ وحدة المجتمع البحريني وتماسكه، ويرسّخ قيم التسامح والانتماء والاعتدال، ويرفض كل مظاهر التعصّب أو الولاءات الخارجية. ثم وجّه جلالته إلى التوسّع في مسارات التطور العلمي والتقني والاقتصادي، والاستثمار في الذكاء الاصطناعي والطاقة المتجدّدة، واستكشاف آفاق الفضاء، بما يُعزّز استقلالية الاقتصاد الوطني ويضمن استدامة موارده، ويواكب تحولات العصر بقدرات بحرينية راسخة.

كما نوّه جلالته بما حققته الكفاءات الوطنية الشابة من إنجازاتٍ علميةٍ مشرّفة، وفي مقدمتها الإطلاق الناجح للقمر الصناعي البحريني، برعاية ومتابعة سمو الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة، معتبراً هذا المنجز رمزاً لنهج الدولة في تمكين شبابها وتأهيلهم لقيادة المستقبل بثقةٍ واقتدار.

وفي البُعد الخارجي، حملت الكلمة السامية موقفاً ثابتاً من دعم السلام العادل والشامل، والتأكيد على أن القضية الفلسطينية ستظل في صدارة أولويات مملكة البحرين خلال عضويتها في مجلس الأمن، انطلاقاً من التزامها المبدئي بتحقيق الأمن والاستقرار الإقليميين، ونصرة الحقوق المشروعة للشعوب. وهي رسالةٌ إنسانيةٌ سامقةٌ تؤكد أن البحرين تنطلق في سياستها من قيم العدالة، وتؤمن بأن السلام الحقيقي هو سلام الكرامة الإنسانية.

واختتم جلالته كلمته بما يعبّر عن جوهر فكره ورؤيته حين قال: «نحمد الله على نعمه الجزيلة، وأولُها الإنسان البحريني، الذي نعدّه ثروة بلادنا الحقيقية ووجهها المتحضر والمشرق بالعطاء أينما حضر».

بهذه العبارة الجامعة، وضع جلالته الأساس الذي تدور حوله جميع السياسات الوطنية: أن الإنسان البحريني هو الركيزة الأولى والغاية العليا، وهو جوهر المشروع الإصلاحي الذي أطلقه جلالته منذ أكثر من عقدين، ليظل عنوان المرحلة هو الإنسان، وغاية التنمية هي كرامته، ومسار الدولة هو الحفاظ على هويته ووحدته ومستقبله.

إن الكلمة الملكية السامية لم تكن خطاباً بروتوكولياً، بل وثيقة رؤيةٍ متجدّدةٍ تؤكد أن البحرين، بقيادتها الحكيمة، ماضيةٌ بثقةٍ في مسيرةٍ عنوانها الإنسان البحريني، وغايتها رفعة الوطن وازدهاره.

عبدالله إلهامي


مصدر الخبر

شاهد أيضاً

تقرير هيئة «جودة التعليم والتدريب»

رؤية تترجم الثوابت وتستشرف المستقبل

كعادته في خطاباته السامية، يبرز فكر جلالة الملك المعظم حفظه الله ورعاه ليعكس ملامح رؤية …