تروي شكوى منشورة في إحدى الصحف المحلية تعرضت موظفة شابة تعمل في إحدى المؤسسات لمضايقات متكررة من مديرها، بدأت بمبالغات لطيفة في التعامل قبل أن تتطور إلى حدود غير مهنية وغير مقبولة، وحين حاولت التعامل مع الأمر عبر القنوات الرسمية في المؤسسة، لم تجد استجابة جدية، بل ازدادت الضغوط عليها، فاضطرت في النهاية إلى تقديم استقالتها حرصاً على كرامتها وسلامتها النفسية.
هذه ملخص القصة، والتي لا تمثل حالة فردية ولا حدثاً عابراً يمكن تجاوزه، بل نموذجاً لما يحدث حين يستغل بعض المسؤولين ما لديهم من سلطة وظيفية في انتهاك خصوصيات الموظفين، والتصرف بطرق لا علاقة لها بالقيم المهنية ولا بالعادات ولا حتى بالحد الأدنى من السلوك الإنساني السوي، ولكن الأخطر من التحرش ذاته هو أن تجد المعتدى عليه وحيداً أمام سلطة تتجاهل الشكوى، أو تبرر للمعتدي بدعوى أنه «لا يفهم ثقافتنا» أو «لطيف بطبيعته»، وكأن الجهل بالثقافة يعطي صكاً لتجاوز الحدود الأخلاقية والمهنية.
إن التحرش داخل بيئة العمل يمثل خللاً مؤسسياً، حين يترك بلا محاسبة، وهو انتهاك لكل الأعراف والقيم الدينية والإنسانية، وخرق صريح للثقة التي تقوم عليها أي علاقة مهنية، فالمسؤول يتحول في هذه الحالات إلى مصدر تهديد وعدم أمان، وهو ما ينعكس مباشرة على إنتاجية المؤسسة وسمعتها وقدرتها على الاحتفاظ بالكوادر الجيدة.
وهنا يصبح من الضروري، بل من الواجب، أن تضع المؤسسات ضوابط سلوك مهنية واضحة لا يمكن تجاوزها، وأن تكون هذه الضوابط متسقة مع قيم المجتمع وعاداته وثقافته، فلا يمكن السماح بأن تتسع الهوة بين النظم الداخلية وبين ما يتوقعه المجتمع من احترام للخصوصية والكرامة الإنسانية، كما يجب أن تكون آليات الإبلاغ عن المخالفات داخل المؤسسات فعالة ومستقلة ومحمية.
وإذا كانت المؤسسات تضم موظفين ومديرين من ثقافات أو خلفيات دينية وعرقية مختلفة، وهو أمر طبيعي، فمن الضروري أن يتم تأهيلهم وتعريفهم بثقافة المجتمع الذي يعملون فيه، فلا يكفي أن نفترض أنهم «سيتعودون» أو أنهم «لا يقصدون»، فالثقافة المهنية ليست خياراً، بل جزءاً من الهوية المؤسسية التي يفترض أن يعرفها الجميع ويتقيد بها.
إن بيئة العمل الصحية تبنى بالاحترام، وتنهض بالقدوة، وتحمي الضعيف قبل القوي، وحين تتحول السلطة الوظيفية إلى وسيلة إيذاء تتراجع الثقة في المؤسسة، وتصبح أماكن العمل طاردة للكفاءات، لذلك فإن حماية الموظفين تمثل ضرورة أخلاقية ووظيفية لضمان مؤسسات تحترم الإنسان قبل المهمة.
في النهاية تبقى الكرامة خطاً أحمر، والموظف الذي يختار أن يحافظ على نفسه ويغادر مكاناً لم يحمه.. لم يخسر شيئاً؛ المؤسسة هي التي خسرت.
مصدر الخبر
أخبار مصر اليوم اخبار مصرية حصرية