معكم الكاتب الصحفي جراح القلب

أنا كاتب وصحفي وأعمل في مجال الإعلام، واليوم قررت أن أكرّس خبرتي في هذا المجال لأقدّم دورات ونصائح للمجتمع في مجال جراحة القلب والأمراض المزمنة، فهل ستسمح لي الجهات ذات العلاقة بهذا؟ وهل من هم في الإعلام سيسمحون لي أن أطرح على الناس أموراً ليست من تخصصي ولا لي فيها دراية؟ وهل ستسمح لي وزارة الصحة أو هيئة تنظيم المهن «نهرا» بأن أقول ما يقوله الأطباء والعلماء؟ الواجب أن تكون الإجابة لا، ولكن لا أدري هل ستكون هناك ردّة فعل أم أن الأمر سيمر مرور الكرام.

ما يدفعني إلى هذا التساؤل هو ما أراه هذه الأيام في مختلف المنصات من شخصيات لا أعرف كيف أصفها، قضت سنوات طويلة في التمثيل والدراما، ثم تظهر فجأة أمام المجتمع بصفة خبراء في التغذية والصحة. لا ندري، ولا يدري أحد، هل أمضوا وقت فراغهم في دراسة علمية جادة، أم أن ما يقدمونه مجرد معلومات منسوخة من حساب إلى آخر كما يفعل الكثير من أصحاب سرقة المحتوى؟ الخطورة هنا ليست في المعلومة الصحيحة أو الخاطئة فحسب، بل في كونها تصدر من أشخاص يظنهم الناس من الطبقة الواعية أو المؤثرة، فيتلقون كلامهم دون تردد، وربما يطبّقونه على صحتهم وأجسادهم.

وفي المقابل نجد بين مجتمع التواصل الاجتماعي شخصيات تميزت بتخصصها الحقيقي وأخلصت لما تجيده، منهم من برع في الألعاب الإلكترونية، ومنهم من أبدع في المطبخ، ومنهم من حمل شغف السياحة والسفر أو الأدب والشعر. هؤلاء نُقدّرهم لأنهم قدّموا محتواهم بما يعرفونه ويبرعون فيه، سواء كان ثمرة خبرة عملية أو دراسة أكاديمية. لكن الخلل يبدأ حين يختلط الحابل بالنابل، فيتحول المغني إلى مقدّم دروس في الطبخ، والمصور إلى محاضر في صيد الطيور، والطاهي إلى خبير سياحة، وهنا يبدأ التخبط وتظهر العواقب.

ولعلّ المثال الأوضح ما فعلته إحدى الطاهيات في سفرها إلى إحدى الدول الآسيوية، حيث كان كل محتواها عن تلك البلدة انتقاداً لافتقار النظافة والمعاملة السيئة والضوضاء. سؤال بريء، لماذا وضعت نفسك في هذا الموقف؟ مثل هذه التصرفات لا تضر إلا بصورة المجتمع الذي خرجت منه. البحرين بلد راقٍ ومتواضع، لا يليق بأبنائه أن يُبدوا آراء منفلتة تنقل صورة سلبية عن الناس والبلد.التخصص قيمة، والوعي قيمة، أما العبث بالتخصصات فهو إضاعة للقيمتين معاً.

إن فضاء التواصل الاجتماعي ليس فلتاناً بلا رقيب، لكنه بحاجة إلى إعادة ضبط حقيقية، وإلى قوانين تواكب تطور المرحلة. فلكل زمان أنظمته، كما حدث مؤخراً مع قانون المرور الجديد الذي جاء متناغماً مع تطور البنية التحتية والزيادة في الحركة المرورية. ولهذا فإن الحاجة ملحّة اليوم لوضع رقابة صارمة على كل صانع محتوى يضع اسم البحرين في ملفه الشخصي، حتى لا يكون تمثيله لصورة الوطن مشوهاً أو سلبياً.


مصدر الخبر

شاهد أيضاً

تقرير هيئة «جودة التعليم والتدريب»

ثلاث فرص عمل.. لكل عاطل

لطالما شكّلت قضية الباحثين عن فرص عمل (أو العاطلين) هاجساً مجتمعياً واسع النطاق، خصوصاً ما …