يقولون.. انتهت الحرب! | صحيفة الوطن

الأسبوع الماضي، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انتهاء الحرب في غزة. إعلانٌ لم يكن عادياً، بل كان بمثابة حدثٍ عالميٍّ هزّ عناوين الأخبار ومشاعر الملايين في وقتٍ واحد. فأن تتوقّف آلة القتل بعد عامين داميين، هو – بلا شك – أهمّ وأجمل خبرٍ للبشرية في العقد الأخير.

لكنّي، رغم هذا الفرح الغامر الذي غمر قلوب الناس في كلّ أصقاع الأرض، لستُ متفائلاً إلى هذا الحدّ. فلديّ يقينٌ راسخٌ بما قاله الله تعالى، «أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ». فكم من اتفاقٍ وُقِّع باسم «السلام»، وما كان إلّا هدنةً مؤقّتةً تُخفي وراءها نوايا الغدر، وكم من معاهدةٍ رُفعت راياتها البيضاء، وما لبثت أن غُرقت بالدماء.

ما جرى في غزة لم يكن حرباً قصيرة، بل فصلاً جديداً من الإبادة الجماعية التي وصلت إلى مستوياتٍ مرعبةٍ لم يشهدها التاريخ الإنساني الحديث. العالم كلّه رأى – بل وشهد – سقوط الأقنعة عن وجوهٍ كانت تتباكى على المظلومية، فإذا بها تمارس الظلم بأبشع صوره.

اليوم، هناك من يسجّل في دفاتره أن الحرب بدأت في السابع من أكتوبر 2023 وانتهت في العاشر من أكتوبر 2025، وكأنّ القضية الفلسطينية خُلقت في هذين التاريخين فقط!

بينما الحقيقة أنّ هذا الاحتلال البغيض يقارب ثمانين عاماً من القهر والتهجير والمجازر، كانت جميعها تُرتكب تحت لافتةٍ واحدة (حماية أمن إسرائيل)، وبمباركةٍ عالميةٍ أممية.

يقولون انتهت الحرب، وكأنّ ثمانين عاماً من القهر يمكن أن تُمحى ببيانٍ سياسيٍّ أو توقيعٍ على ورق.

أمّا نحن -أبناء هذه الأمّة- فمسؤوليتنا لا تنتهي بإعلان وقف النار، بل تبدأ من جديد.

واجبنا أن نُجدّد موقفنا الثابت: أنّنا مع قضيتنا الأولى، مع حقّ إخوتنا في فلسطين بالعيش بأمنٍ وكرامةٍ على أرضهم التي نُهِبت منهم، وبكامل حقوقهم غير المنقوصة.

وأن نذكّر أنفسنا والعالم دائماً بمن هو العدوّ الحقيقي، وأنّ الغدر والخيانة ليسا استثناءً في تاريخه، بل هما أصله وجوهره.

لسنا من أنصار الرمادية، لأنّها منطقة لا وجود لها بين الحقّ والباطل، بل موقفٌ واضحٌ لا يقبل الحياد، فلا يمكن أن نسوّي بين الضحية والجلاد بأن ننسى ما حصل، أو نقول إنّها صفحة جديدة! ولا أن نقول إنّ «السلام عاد» لمجرّد أنّ المدافع صمتت. فالتاريخ علّمنا أنّ الغدر يُولَد من رحم الهدنة، وأنّ كلّ اتفاقٍ لم يُبنَ على عدالةٍ وكرامةٍ هو وهمٌ مؤقّتٌ سرعان ما ينهار.

ولعلّ هذا «السلام» الجديد، الذي يصفّق له العالم اليوم، ليس إلّا هدنةً أخرى في سجلٍّ طويلٍ من الهدن الكاذبة. لكنّنا – رغم ذلك – نؤمن أنّ الحقّ لا يموت ما دام وراءه من يُدافع عنه، وأنّ فلسطين ستبقى، ما بقيت السماء والأرض، قضيّةَ أمّةٍ، لا مجرّد ملفٍّ سياسيٍّ يُطوى على طاولة المفاوضات.


مصدر الخبر

شاهد أيضاً

تزامناً مع الإفراج عن المحتجزين.. ترامب يصل إلى إسرائيل ونتنياهو في استقباله

تزامناً مع الإفراج عن المحتجزين.. ترامب يصل إلى إسرائيل ونتنياهو في استقباله

وصل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى إسرائيل صباح اليوم الاثنين، تزامناً مع بدء الإفراج عن …