
قبل بضعة أشهر، كانت ابنتي تصرخ فجأة وتشير بيدها بحركة هستيرية كلما رأت دمية «لابوبو» معلّقة على حقائب البنات.
ثم تهدأ — أو هكذا كان يبدو — وتردد كلام والدتها بأنها مجرد «دمية تافهة»، محاولةً إقناع نفسها بأن رأي أمها صائب.
لكن، حين أخذتها إلى متجر يبيع دمى «لابوبو» في ياس مول بأبوظبي، ووقعت عيناها على رفوف مليئة بعلب هذه الدمى، لم تتمالك نفسها. انقضت على زاوية العرض، تمسك العلب وتضمها إلى صدرها، وأصرت أن أشتري لها واحدة مثل بقية البنات. وبحكم ضعفي الكامل أمام إلحاح ابنتي، استسلمت واشتريت لها الدمية — التي يبلغ سعرها 300 درهم إماراتي — في تصرف عاطفي لم أستوعبه حتى الآن.
وما إن أمسكت بالدمية حتى سارعت إلى فتح العلبة تماماً كما تفعل الفتيات على «تيك توك»، مترقبة اللون الذي ستحصل عليه. وعندما اكتشفت أنها حصلت على اللون الأخضر الفاتح، قفزت من مكانها، وبدأت تصرخ فرحاً. لماذا؟ لا تسألوني. يبدو أن هذه الطقوس جزء من تجربة اقتناء الدمية الأكثر شهرة في العالم حالياً.
مجلة Foreign Policy نشرت مؤخراً مقالاً مثيراً تناول أبرز اختراق للقوة الناعمة الصينية، والمتحقق — بكل جدارة — عبر دمية «لابوبو»، التي أصبحت خلال فترة وجيزة واحدة من أكثر الإكسسوارات طلباً حول العالم. فقد تفوقت «لابوبو» على كل محاولات الصين السابقة للتأثير الثقافي على الغرب، والتي باءت بالفشل، كما تؤكد المجلة.
ويشير المقال، الذي كتبه المحلل الجيوسياسي بوبي جوش، إلى أن مراكز الفكر الصينية أمضت عقوداً طويلة تتعامل مع مفهوم القوة
الناعمة وكأنه معادلة حسابية تحتاج إلى حل. غير أن نجاح دمية بلاستيكية لطيفة، بابتسامة مخيفة، في الوصول إلى «الضمير الثقافي» الغربي والعالمي، قلب الموازين وجاء من دون أي دعم حكومي — على عكس ما كانت تخطط له بكين.
كما يستعرض المقال سلسلة من محاولات الاستثمار الفاشلة التي قامت بها الحكومة الصينية في مجال القوة الناعمة من إنتاج أفلام ضخمة الميزانية، إلى محاولات نشر اللغة الصينية عالميًا. غير أن هذه المساعي كانت تُقابل في الغرب بريبة، واعتُبرت محاولات استخباراتية مكشوفة. وحتى تطبيق «تيك توك»، رغم نجاحه الساحق في أمريكا، يسعى دائماً إلى إخفاء أصله الصيني، فلا يُظهر للمستخدم الأمريكي المحتوى الصيني.
ويقول جوش إن الأكاديميين الصينيين حاولوا فهم سر نجاح كوريا الجنوبية في كسب قلوب وعقول الغربيين من خلال الدراما والفرق الموسيقية، وأبدوا دهشتهم من قدرة دولة صغيرة ذات إمكانات محدودة مقارنة بالصين، على التأثير الثقافي في الغرب. ويعلّق بأن الصينيين لم يدركوا أبدًا أن التأثير الثقافي الحقيقي لا يُصنع بقرار رسمي، ولا يُشترى بالمال.
اللافت أن «لابوبو» صمّمها كيسنغ لانغ من هونغ كونغ؛ المستعمرة البريطانية السابقة التي عُرفت بانفتاحها وفهمها للثقافة الغربية. وهي ذات المدينة التي قدّمت للعالم رموزًا فنية مثل بروس لي وجاكي تشان، اللذين يحظيان بشعبية عالمية جارفة. والمفارقة أن من جعل «لابوبو» تتحول إلى موضة عالمية لم يكن صينياً، بل مغنية كورية شهيرة علّقت الدمية على حقيبتها، فقلّدها مشاهير الغرب لتصبح ظاهرة.
ويؤكد جوش أن الإبداع وحده كان وراء نجاح «لابوبو». فهي لا تحمل أجندة سياسية، ولا تحتاج إلى وعي ثقافي عميق لتقع في حبها، كما أن شكلها الغريب والمميز عن بقية الدمى كان أحد أسباب رواجها الكبير. ويدعو الكاتب السلطات الصينية، التي ما زالت تبحث عن أدوات فعالة للقوة الناعمة، إلى استيعاب درس «لابوبو» جيداً ويحثهم على إطلاق العنان للمبدعين، من دون فرض أجندات سياسية.
وأنا أرى «لابوبو» درساً مليئاً بالعبر ليس للصين فقط، بل لكل دولة تعتقد أنها بصرف الأموال فقط تستطيع أن تؤثر على العالم وتأسر العقول والقلوب. والمؤكد أن كثيراً من الدول تحتاج «لابوبو» خاصة بها.
مصدر الخبر
أخبار مصر اليوم اخبار مصرية حصرية