لم يكن برنامج قدها في نسخته الثانية مجرد تكرار لنجاح سابق، بل كان عبوراً جديداً نحو آفاق أوسع من الإبداع الإنساني، ومساحة لاختبار جوهر القوة الكامنة في الشباب، حين يُمنحون فرصة صادقة للعبور من حدودهم إلى ما هو أبعد، ومنذ اللحظة الأولى بدا البرنامج كرحلة مكثفة، لا تُختبر فيها العضلات فقط، بل الإرادة، والنَفَس الطويل، والقدرة على الثبات أمام التحديات التي تُبهر المتابع قبل المشارك.
لقد أثبتت النسخة الأولى من البرنامج أن الاستثمار في الإنسان هو أعلى مراتب التنمية الوطنية، لكن النسخة الثانية جاءت لتُثبت أن النجاح حين يُصان بالشغف يصبح مشروعاً مستداماً. فهنا لم يكن الهدف مجرد زيادة مستوى المنافسة، بل تعميق الأثر الإنساني، وإخراج الطاقة الخام من داخل كل مشارك، تلك الطاقة التي لا تظهر إلا حين تُحرَّك بصدق ومسؤولية، رأينا شباباً يُعاد تشكيلهم من الداخل، يكتشفون طبقات جديدة من قوتهم، يمارسون الصبر كقيمة، والعمل الجماعي كفلسفة حياة، ويتعلمون أن الإرادة ليست صفة عابرة، بل بناء يتجدد مع كل خطوة.وما بين كل تحدٍ وآخر، كان البرنامج يقدم درساً ضمنياً في الإنسانية قبل المهارة، فاللحظة التي يظن فيها المتسابق أنه بلغ أقصاه، كانت اللحظة التي يكشف فيها البرنامج له أن بداخله «أقصى جديد»، وهذا بالضبط ما منح قدها 2 تميزه: إنه برنامج لا يبني المشهد فقط، بل يبني الإنسان.
ولعلّ المقارنة مع البرامج العالمية تكشف قيمة إضافية؛ فبينما تركّز كثير من تلك البرامج على الإثارة البصرية، كان قدها مشغولاً ببناء قناعة داخلية لدى الشباب: أنك قادر، أنك أقوى مما تظن، وأن الوطن حين يثق بك يصبح للثقة معنى، وهذا ما يفسر ارتفاع المشاركة الشبابية بنسبة تجاوزت 27% عن النسخة الأولى، وتزايد التفاعل المجتمعي الرقمي بما يفوق 40%، وهي أرقام لا تعكس انتشاراً فحسب، بل تأثيراً عميقاً في السلوك والوعي والرغبة في الانخراط.
إن «قدها 2» ليس فقط استمراراً لنسخة ناجحة، بل هو تجسيد لفكرة وطنية أكبر: أن البحرين حين تصنع برامجها بروحها وقيمها، فهي لا تنافس لتتفوق، بل تتفوق لأنها تؤمن بإنسانها أولًا، ولهذا بدا البرنامج في كل حلقة، وفي كل خطوة، وفي كل لحظة صدق.. عنواناً يستحق اسمه: قدها.
* اعلامية وباحثة اكاديمية
مصدر الخبر
أخبار مصر اليوم اخبار مصرية حصرية