شرايين الماء العمانية.. حكاية الأفلاج وإعجاز لا نظير له

عمان – معين درويش

كما هو الحال في البحرين والعديد من دول الخليج العربي التي ازدهرت فيها الزراعة كحرفة أصيلة وجزء راسخ من هوية شعوبها، عرفت عُمان أيضاً منظومات ريّ متقدمة تعود إلى قرون طويلة.

فإلى جانب العيون وقنوات الري التقليدية، تبرز في السلطنة منظومة الأفلاج العُمانية، وهي واحدة من أهم الشواهد على براعة الإنسان في تطويع الطبيعة، خصوصاً في بيئات شحيحة المياه. وبين القلاع والحصون الممتدة عبر التاريخ، تقف أفلاج مثل فلج دارس وفلج الخطمين في نزوى، مسجلةً ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو، باعتبارها نموذجاً نادراً لهندسة مائية صمدت لقرون.

والأفلاج -جمع فلج- هي مجاري ماء تجري عبر قنوات محفورة في باطن الأرض، تُستمد من المياه الجوفية، أو من المياه السطحية التي تتغذى من مجاري الأودية. وقد صنّف العُمانيون الأفلاج المكتشفة إلى 3 أنواع رئيسة وهي:

الفلج الداودي، وهو أعجبها وأكثرها تعقيداً، إذ يمتد لمسافات قد تبلغ عدة كيلومترات تحت سطح الأرض، بعمق يصل إلى عشرات الأمتار، ويتميّز بجريانه المستمر طوال العام.

أما الفلج العيني، فيعتمد على عيون الماء، وعدد هذا النوع محدود، في حين يستمد الفلج الغيلي مياهه من الجريان السطحي أو شبه السطحي، ويُعدّ أكثرها حساسية لتغيّر الأمطار، إذ يزيد منسوبه مباشرة بعد الهطول، وقد يجفّ إن طال الانقطاع.

وتشكّل الأفلاج الداودية نحو 45% من مجموع أفلاج السلطنة المكتشفة، وهي الأكثر إثارة للدهشة، إذ إن أعماقها وأطوالها تجعلها حتى اليوم أعجوبة هندسية يصعب تفسيرها بسهولة، خصوصاً أنها شُيّدت في زمن لم تتوفر فيه أي أدوات ميكانيكية أو تقنيات حديثة.

ومن هنا نشأت إحدى أشهر الحكايات العُمانية التي تناقلها الناس عبر الأجيال، والتي تربط تسمية الأفلاج الداودية بالنبي سليمان بن داود عليهما السلام. وتروي الحكاية أن النبي سليمان، في طريقه إلى بيت المقدس، مرّ بقلعة سلوت العُمانية، فسأل عن حال أهلها، فأُبلِغ بأنهم يواجهون صعوبة في الحصول على الماء، فنزل إليهم وأمر الذين كانوا في طاعته أن يحفروا له 1000 قناة ماء في كل يوم من أيام إقامته العشرة، ليصبح في عُمان 10 آلاف فلج داودي.

وبصرف النظر عن مدى صحة هذه الرواية، فإن سلطنة عُمان تحتضن اليوم أكثر من 4 آلاف فلج مكتشف، يعمل منها نحو 3 آلاف فلج تتدفق فيها المياه حتى الآن. والمؤكد أن الأفلاج تمثل إعجازاً لا نظير له؛ «شبكة دقيقة تحت الأرض تسقي الحقول والواحات منذ آلاف السنين، وتبقى شاهداً على عظمة المكان وأهله». والأهم أن السلطنة نجحت، في الحفاظ على أفلاجها وبيئتها الزراعية من الزحف العمراني، لتبقى هذه الشرايين المائية تنقل الحياة إلى مزارعها وبيوتها كما فعلت منذ مئات السنين.


مصدر الخبر

شاهد أيضاً

الخالدية يعلن التعاقد رسميا مع المدرب التونسي لسعد الشابي

الخالدية يعلن التعاقد رسميا مع المدرب التونسي لسعد الشابي

وليد عبدالله أعلن نادي الخالدية رسميًا تعاقده مع المدرب التونسي لسعد الشابي لتولي مهام القيادة …