د. سامح بدوي
تلعب المؤسسات التربوية في مجتمعاتنا وظيفة بالغة الأهمية في إعداد النشء وتربيتهم تربية تقوم على الهوية الإسلامية، وتستند إلى العادات والتراث.
ولعل أبرز تلك المؤسسات التي تؤدي دوراً فاعلاً في هذا المجال هي المدرسة التي لا يقتصر دورها على أنها خزانة المعارف والتلقين، بل هي محور تكوين السلوك الإنساني، حين تستهدف المعرفة والأخلاق والتربية النفسية والجسدية، لبناء شخصية متزنة فاعلة في مجتمعها، وحين تؤصل للضوابط السلوكية في مختلف المراحل الدراسية.
فالسلوك المنضبط هو قوام العمل التربوي لدى طلابنا في مراحل التعليم المختلفة؛ وخاصة في المرحلة الإعدادية التي تُعد إحدى أهم المراحل الحاسمة في فترات نمو الطلبة، وهي مرحلة يتشكّل فيها وعي الطفل، يفهم ويدرك المفاهيم، ويبدأ في بناء ذاته واكتشاف الآخرين، ويخطو نحو مرحلة جديدة تغلب فيها طفرات النمو العقلي والنفسي والجسدي على سلوكياته، وتدفعه نحو تصرفات قد تبدو غير مبرّرة، ففي السنوات القليلة الماضية رصدت العديد من الدراسات تغيرات في الأنماط السلوكية لدى طلاب تلك المرحلة والطلاب بشكل عام، وقد علّلت تلك الدراسات هذه التغيرات غير المنضبطة أنها قد تكون نتاجاً طبيعياً لتأثر أبناء هذه المرحلة ببعض التغييرات المجتمعية، والإعلامية التي عزّزت بصورة مباشرة أو غير مباشرة مظاهر العنف وسلوكياته التي بدأت تطفو على سطح علاقاتهم مع بعضهم والآخرين.
وقد يسهم وعي الإدارة التربوية في الحدّ من تلك السلوكيات ودفع الطلاب نحو المسار التربوي الصحيح، وتوجيه المعلمين أن يأخذوا طلابهم «بالملاينة لا بالشدة والغلظة».
وأن يتابعوا دون مبالغة في سلوكياتهم وردود أفعالهم، نعم نحن في مواجهة مشكلات سلوكية وتصرفات مزعجة، علينا أن نتعامل معها بالتوجيه والإرشاد، نفعّل دراسات الحالة، ونستخدم مقاييس السلوك والاتجاهات، ونلاحظ بصورة مباشرة وغير مباشرة، ونستقصي، ونطبق منهجية حل المشكلات، إلى جانب عشرات الأساليب الإرشادية والتربوية الأخرى.
ونحن على يقين بأن دورنا ليس النقد أو التجريم، بل التوجيه والرعاية، فالفهم الخاطئ لتصرفات هؤلاء الأطفال يضعنا في مواجهة دوافعهم الداخلية نحو سلوكيات معيّنة، نحتاج فيها إلى الاحتواء لا إلى الصدام، وهذا ما يميز المدارس والإدارة الواعية المنضبطة، القادرة على فهم خصائص نمو تلك الفترة الحرجة من عمر أبنائنا، فهناك ما يقرب من 7% من الطلاب لديهم سلوكيات غير منضبطة منها: حب الظهور وجلب الانتباه، والعدوان على الغير، والاعتداء على ممتلكات المدرسة، والعنف تجاه المعلمين، والرسوب المتكرر، والتراجع في التحصيل الدراسي، والغياب المتكرّر، وإهمال الواجبات، وعدم المشاركة في النشاطات المدرسية، وسلوك جلب الانتباه، فالطالب الذي يفشل في جذب الانتباه من خلال قدراته التحصيلية، يسعى إلى أن يلفت الأنظار بإثارة الفوضى وممارسة القوة المفرطة مع الآخرين والعدوان عليهم.
وقد أظهرت نتائج بعض الدراسات، أن أسباب تلك السلوكيات متعددة منها: رغبة الطالب في إثارة الفوضى، والبحث عن القوة وممارستها، وسلوك الانتقام، والسعي لتجنّب الفشل؛ وهنا ينبغي على المدرسة أن تتعامل مع هذه السلوكيات بمنهجية تربوية، ومشاركتهم في أنشطة تسهم في إبرازهم، وتوجيه طاقتهم نحو ممارسات مقبولة كالنشاطات الرياضية مثل: المصارعة، والملاكمة، ورفع الأثقال.
كما يمكن تعديل سلوك الانتقام من خلال المناقشات المفتوحة، ودراسات الحالة، والاستماع لمشكلات الطلبة، والعمل الجماعي والتشاركي، وإدراج الطلاب في الأعمال الخيرية، ووضع اللوائح والقواعد المنظّمة للسلوك داخل المدارس، وغرس قيم حب العمل والدراسة لدى الطلاب، وتعظيم دور العلم والدين في الحياة.
ولعل الأهم من تلك الآليات هو إيمان المعلم، والمدير، والمرشد، والأخصائي النفسي، وجميع أطراف العملية التعليمية بأن ضبط السلوك ممكن ولا يتطلب سوى الإيمان بمكانية التغيير، ووضع البرامج والأهداف التي تسعى لتحقيقه؛ لما له من أثر بالغ في ضبط أبنائنا داخل المؤسسات التربوية وخارجها.
مصدر الخبر
أخبار مصر اليوم اخبار مصرية حصرية