المخرج بسام الذوادي يروي سيناريو فصول حياته لـ«الوطن»: من فكرة إلى كاميرا.. هكذا نصنع المسلسل دون تعقيد

أيمن شكل – تصوير: مصطفى خلف

شهادة زواج والديّ.. رواها والد وزير الخارجية

أربعون عاماً من الصداقة توثّقها جلسات الأربعاء الأسبوعية

في صيف الطفولة.. والدي تركني في الشارع لأتعلم معنى العمل

بدأت مسيرتي المهنية في “الداخلية” وأنا لم أبلغ الـ17 بعد

ليلى مراد.. تطبخ لنا بينما نراجع دروسنا مع ابنها زكي فطين

أخرجت مسلسلاً للتربية عن محو الأمية بطولة عبدالله السعداوي

مفاجأة لا تُنسى.. مكافأة ألف دولار مقابل يوم تصوير واحد!

اليوم “الله يعين تلفزيون البحرين” بعد اختلاف الأجيال وطرق البث

«المشهد الأول.. يبدأ من الشارع، لا من الأستوديو».. هكذا يفتتح المخرج والفنان بسام الذوادي أولى لقطات سيناريو حياته، لا بكاميرا، بل بلحظة قاسية: «أبي تركني في الشارع لأبحث عن عمل في الصيف!»، لا تمثيل هنا بل نبض حياة في مشهد أول واقعي لم يكن فيه تجسيد شخصيات، بل تدريب على الحياة.

ما نحن بصدده عما قليل، ليس مجرد حوار مع مخرج، بل رحلة عبر زمن السينما البحرينية، حيث يشكل الذوادي خيطاً متيناً في نسيجها، موثقاً بالصورة والحكاية، من تحدي شراء أول كاميرا، إلى التجربة الأولى خلف العدسة، مروراً بمحطات مصرية في معهد السينما، ثم عودة إلى البحرين ليمتد حضوره الفني من المسلسلات إلى الحفلات، من الإعلانات إلى الأعمال التربوية.. وصولاً إلى جلسات الأربعاء التي تجمعه بأصدقاء طفولته منذ أربعة عقود.

في بوحه لـ«الوطن»، يكشف الذوادي عن مشاهد من حياته لربما تستحق كثير جوائز الأوسكار لو قيّض لها أن تكون أحد أعماله، ومن بينها شهادة زواج والديه كيف يرويها والد وزير الخارجية، وليلى مراد عندما كانت تطبخ له بينما يذاكر مع ابنها زكي فطين، والحديث عن ألف دولار مكافأة عن يوم تصوير واحد، ومسلسل تربوي كان باكورة مشواره الإخراجي. واليوم، وبين اختلاف الأجيال وتغيُّر تقنيات البث، يقولها بصدق: «الله يعين تلفزيون البحرين».

والآن هيا بنا إلى ما سيرويه لنا الذوادي وما سيكتبه فصولاً من عمر السينما، بلغة لا تعرف الرتوش. وإلى نص الحوار:

أين كانت بداية الطفل بسام الذوادي؟

– ولدت مطلع الستينات في البحرين، لكني مكثت في مدينة الخبر 10 سنوات، ودخلت «مدرسة البنات النموذجية»، وهي مدرسة خاصة، وفي عام 1966 صدرت أول مجلة لسوبر مان باللغة العربية، فأحضر لي والدي العدد الأول منها، وظلت الصورة في ذهني إلى أن اجتمعنا في بيت القصيبي مع الأهل والأطفال لمشاهدة فيلم لسعاد حسني وحسن يوسف، وكانت أول مرة أشاهد شاشة كبيرة، وصورة تتحرك، وظل التساؤل عندي.. كيف هذا؟ وفي عام 1969 رجعنا إلى البحرين وسكنا في بيت جدي بالقضيبية، وكانت منطقة حميمية تشعر فيها بالدفء، فقد كان يحيط بنا بيت صالح الزري، وعبدالرحمن الملا المصور وبيت فخرو وبيت الزياني والد د.عبداللطيف الزياني وزير الخارجية والذي كان شاهداً على زواج أبي بأمي كما عرفت فيما بعد.

وفي أحد الأيام أخذنا أبي إلى «سينما الزياني»، وحينها شاهدت الشاشة الكبيرة وشعرت بالانجذاب إلى هذا الفن الذي أجهله تماماً، وبعد سنة تقريباً خرجنا من القضيبية لنسكن في مدينة عيسى، نهاية الستينات مع بداية إنشاء المدينة، لأدخل مدرسة مدينة عيسى التي ظلت صاحبة الفضل في أن أتعرف على مجموعة من الأصدقاء مازلنا إلى اليوم نلتقي كل أربعاء، وكان أول صديق هو الفنان هاني الدلال، وقد أصبح معظم هؤلاء الأصدقاء لديهم أحفاد، ولم نتخلف عن التواصل حتى بعد أن توزعنا على الجامعات، فنأتي في الصيف ونجتمع.

ماذا كنت تفعل في الإجازات الصيفية؟

– كان الأهل يدفعوننا إلى العمل، وأتذكر أبي عندما كان يأخذني بالقرب من شارع الخميس، وينزلني في الشارع فأمشي لأبحث عن عمل إلى أن أصل إلى محل والدي في باب البحرين. وجدت عملاً في شركة إعلانات، ولم أكن أفهم ماهية الإعلانات، لكن صاحب الشركة أعطاني شريطاً سينمائياً وأمرني بتوصيله إلى شركة البحرين للسينما حتى يُعرض قبل الفيلم، وكانت تلك أول مرة أُمسك فيلماً.

ثم انتقلت للعمل في شركة مقاولات مقابل 5 دنانير زيادة، وفيها التقيت مع النقيب عبدالرحمن الغتم والذي كان رئيس العلاقات العامة في وزارة الداخلية، وقال لي: «ليش ما تجي تشتغل عندنا في العلاقات العامة؟» فوافقت وذهبت إلى وزارة الداخلية، وهناك رأيت لأول مرة صالة سينما صغيرة.

ومتى بدأت علاقتك بالكاميرا؟

– اشترى أحد الموظفين بوزارة الداخلية سيارة كان عليها عرض خاص «كاميرا سينمائية وآلة عرض وشاشة»، وكان لا يريد الكاميرا فعرضت عليه شراءها مقابل 60 ديناراً وكان هذا المبلغ راتب شهرين، لكن أصبحت أمتلك كاميرا سينمائية، فاشتريت فيلماً من أستوديو إعجاز، وكان ثمنه آنذاك 5 دنانير شاملة التحميض، فيتم إرساله إلى ألمانيا ليتم تحميضه هناك، وصورت أول فيلم في الصخير.

ثم طرأت لي فكرة تصوير فيلم درامي، واستعنت ببعض العاملين من الجنسية التايلندية في مطعم، وتولى صديقي سمير الساعاتي مهمة التصوير وهو أيضاً الذي صور معظم أفلامي فيما بعد، ولم أكن أعرف كتابة نص أو أي شيء حتى عن المونتاج، واصطدمت بعدم القدرة على ترتيب الأحداث التي صورتها، وعندما بحثت عرفت أن هناك شركة في مدينة عيسى تُدعى «الصقر للتصوير» يديرها خليفة شاهين وعبدالله الخال، فأخذت الأفلام التي صورتها، وأعطيتها له وقلت له: «أريد أسوي فيلم بس ما أعرف كيف»، فقال لي: «مونتاج» ولم أكن أعرف شيئاً عن المونتاج.

وجلست مع مخرج هندي قام بتشغيل الفيلم على جهاز اسمه «مافيولا» ثم قام بتقطيع المشاهد ولصقها أمامي بينما أتابع بدهشة كبيرة، إلى أن انتهيت من أول فيلم لي بعنوان «الوفاء» تلاه مجموعة من الأفلام الأخرى منها «الأصدقاء»، «الإخوة»، «الأجيال»، وأشركت كل أصدقائي في هذه الأفلام، ولا أنسى دعم نادي مدينة عيسى خلال تصوير هذه الأفلام.

حدثنا عن الدراسة في معهد السينما؟

– قرأت في مجلة «هنا البحرين» إعلاناً عن منح دراسية من وزارة الإعلام لدراسة الفن التشكيلي والمسرح والنقد، لكن لم تكن هناك دراسة سينما، فتقدمت بطلب في الوزارة وحينها كان عمري 17 عاماً، وذهبت إلى الكويت لدراسة المسرح، إلا أنني لم أقتنع وعدت بعد أسابيع، وأبلغتهم بأني أريد دراسة السينما، فأبلغني أحمد الزياني بأن المنحة موجودة، لكن يجب أن أذهب إلى القاهرة على نفقتي وأحصل على القبول لكي أحصل على المنحة. لم أكن أمتلك المال لشراء تذكرة الطائرة ولم أطلب من أبي مساعدتي كما عودني، ولذلك عدت للعمل لكي أجمع ثمن التذكرة، وخلال شهرين من العمل في سوبرماركت جمعت المبلغ وتوجهت إلى مصر التي لم أزرها لكن استقبلني طلبة الاتحاد الوطني لطلبة البحرين، الذين استقبلوني وأسكنوني معهم، وساعدوني في الوصول إلى معهد السينما بالهرم، فأخذت أفلامي معي، ودخلت على عميد المعهد لكوني مغترباً، فوجدت الأساتذة يسألونني بعض الأسئلة، ولم تكن لديّ معلومات كافية للردّ على تلك الأسئلة، فقرروا إجراء اختبار نظري قبل الموافقة على القبول. وتعرّفت على الطلبة المصريين في المعهد والذين لم يقصّروا معي، وجلبوا لي القاموس السينمائي، ومكثت أقرأ عن السينما ثم دخلت الامتحان ونجحت، وأخيراً حصلت على القبول في المعهد العالي للسينما.

من الذين درّسوك في معهد السينما من النجوم المعروفين؟

– كان على رأسهم الممثل الكبير محمود مرسي وحسين فهمي، والمخرج يوسف شاهين، وصلاح أبوسيف، ومحمد بسيوني، ود. حسين عبدالقادر الذي درسني علم النفس لمدة 4 سنوات.

من كان معك في الدفعة من الفنانين؟

– تميّزت دفعتي بأن ثلث خريجيها عملوا في مجال السينما، وكان من زملائي وأصدقائي زكي فطين عبدالوهاب ابن الفنانة ليلى مراد والمخرج فطين عبدالوهاب، وعادل عوض ابن الممثل الكوميدي محمد عوض، وأسامة جرجس فوزي الذي كان والده من أهم المنتجين الذين أنتجوا للسينما العديد من الأفلام المهمة، وكذلك سعيد حامد وغيرهم.

هل من مواقف طريفة تتذكرها خلال أيام الدراسة في مصر؟

– كانت أصعب مادة هي علم النفس، وقبل ليلة الامتحان، اقترح علينا عادل عوض أن نذهب لأحد الفنادق ونؤجر شاليه على بركة السباحة ونتفرغ للمذاكرة، لكن المناظر المحيطة بنا على بركة السباحة أجبرتنا على ترك الكتب ومتابعة ما يجري، وفي اليوم التالي ذهبنا إلى الامتحان ولم نتمكن من حل أي سؤال.

ولاحظ الدكتور ما يحدث، فسألنا.. هل هناك مشكلة في الاختبار؟ فأجبته بأن المشكلة فيما شاهدناه، وقد كنت صريحاً معه فأخبرته بما حدث ليلة الامتحان، وللأمانة كان متفهماً لما حدث معنا نحن الأربعة، وقال سوف أجري لكم اختباراً شفوياً في وقت لاحق، وبخبرته في علم النفس استطاع أن يرجعنا إلى طريق الصواب.

كثير من المواقف والأحداث كنت شاهداً عليها لنجوم وفنانين مصريين، لكن لا أستطيع الحديث عنها؛ لأنها أسرار قد تتسبّب في مشاكل كثيرة، لكن أذكر أحدها مع صديقي زكي فطين عبدالوهاب، والذي كنت أذاكر معه في بيته بشقة في منطقة جاردن سيتي، وكانت والدته ليلى مراد تطبخ لنا وتلبّي كافة طلباتنا، وعلمت أن ابنها زكي عازم على اتخاذ قرار الزواج من سعاد حسني، ولم تكن أمه راضية عن هذه الزيجة؛ بسبب فارق السن بينهما، فقالت لي: «حاول تعقل صاحبك.. خليه يعقل»، لكني وقفت مع صديقي ولم أكترث لما تحاول أمه إقناعي به.

وللأسف ضيع زكي ثروة والديه وباع الشقة التي كان يسكن فيها معهم، رغم أنها كانت في أرقى مناطق مصر.

لننتقل إلى مرحلة التخرج والعودة إلى البحرين؟

– عند التخرج كان على الطالب تقديم مشروع، فقمت بكتابة سيناريو لفيلم مثل فيه نخبة من الزملاء الفنانين وحتى طلبة البحرين والسعودية الذين كانوا يدرسون في مصر آنذاك، وجعلت الفنان الراحل عبدالله محمود بطل الفيلم وهو أحد الفنانين الذين برزوا في حقبة المخرج يوسف شاهين. ومن طلبة البحرين الذين مثلوا في مشروع التخرج د.طارق السالم والذي كان يدرس الطب وأصبح فيما بعد رئيس المستشفيات في المملكة العربية السعودية، وكذلك المحامي وعضو النواب والشوري السابق فريد غازي، ود. منى البلوشي التي أصبحت مسؤولة في وزارة التربية، وكلهم تطوعوا لمساعدتي في مشروع التخرج، وكان المشرف على المشروع والممتحن المخرج علي بدرخان، والذي مازلت على تواصل معه حتى اليوم.

هل رجعت البحرين؟

– بداية أود أن أذكر أنني خلال السنوات الأربع للدراسة في مصر كنت أقوم بإخراج حفلات الطلبة في القاهرة وأصمم رقصات وأدرب الممثلين، ونقدم تلك الحفلات على مسرح البالون، ثم أنقل هذه الحفلات إلى البحرين لنقدمها على مسرح نادي مدينة عيسى في الصيف، فنقدم نفس الحفلة في نادي مدينة عيسى، واستمر ذلك طوال بداية الثمانينات، وكان هناك طلبة مشاركون في تلك الحفلات من دول كثيرة مثل كندا وأمريكا وبريطانيا، وهؤلاء يقومون بنقل الرقصات التي أصممها إلى بلدانهم ضمن حفلات تقام في كل دولة.

وكانت آخر حفلة لي هي حفلة التخرج من الجامعة، ثم عملت العديد من الحفلات مع فرقة الإخوة، إلى أن التقيت مع رجل الأعمال أكرم مكناس، والذي طلب مني المشاركة في إعلان للبخور يتولى إخراجه أجانب، لكنه أراد تواجد مختص يعرف العادات والتقاليد ليوجه الأجانب بشأن التصوير، ووافقت وتوليت المهمة التي كانت بسيطة حيث قدمت لهم بعض المقترحات، وتفاجأت بمكافأة ألف دولار عن يوم عمل واحد.

وتكرر الأمر واكتشفت أنني أستطيع جني أموال كثيرة في يوم عمل واحد بينما موظفون يعملون طوال الشهر يستلمون نفس المبلغ، ولذلك لم أفكر في التوظيف، واستمرت حياتي على هذا النهج، حتى إنني أخرجت مسلسلاً لوزارة التربية والتعليم عن محو الأمية، وللمصادفة كان هذا أول عمل تلفزيوني يشارك فيه الفنان الراحل عبدالله السعداوي فهو كان صديقي أثناء حفلات نادي مدينة عيسى، وشارك في هذا المسلسل أيضاً الفنان حسن الواوي وجاسم شريدة وسبيكة الحكم، وموسيقى المقدمة والنهاية للفنان خالد الذوادي. وبدأت في إخراج الأغاني، كما أخرجت حفل تأسيس مدرسة البيان، وواصلت العمل في الإعلانات، ولم أفكر في البحث عن وظيفة، لأني مرتاح مادياً، إلى أن دق جرس التلفون في المنزل، وجاءني صوت المتصل قائلاً: بسام.. شلونك؟ قلت له زين؟ قالي معاك خليل الذوادي، قلت له أهلاً وسهلاً يا أستاذ خليل، وفي تلك الأيام كان هو مدير التلفزيون، فقال لي: أنت تبي تشتغل والله ما تبي تشتغل؟ قلت له: أبي أشتغل، فرد سريعاً: خلاص.. تعال التلفزيون بكرة وجيب أوراقك.. وأغلق الهاتف.

وفي اليوم التالي ذهبت إلى وزارة الإعلام والتقيت به، فقال مباشرة: روح ود أوراقك للشؤون الإدارية والمالية عشان تبدأ العمل، وبالفعل بدأت العمل في التلفزيون من يومها، إلى أن تقاعدت بعد 35 عاماً على درجة قائم بأعمال مدير عام للإذاعة والتلفزيون.

وخلال تلك الفترة لم تكن هناك مشكلة في التوظيف والعمل وإخراج البرامج والمسلسلات؟

– في السابق، كنا محظوظين وكانت الحرية مختلفة، فإذا كان لدي مسلسل أريد إخراجه، لا يستلزم الأمر سوى اقتراحه على د.هالة العمران وخليل الذوادي ويتم الموافقة والبدء مباشرة في العمل، وذلك لوجود الثقة، وبمجرد طرح الفكرة يبدأ العمل مباشرة دون ترتيبات وموافقات، فكان راشد الجودر يجلس ويكتب النص لـ«فرجان لول» أثناء التصوير ثم يقرؤه المخرج ويُنفذ ويُقدم ويُعرض في الليلة التالية دون إشكالية، تلك الثقة هي التي كانت تحرك الأعمال وتخرج للمشاهد وتترك أثرها حتى اليوم.

لكن بعض الأعمال التي أخرجتها، حملت بعض الإسقاطات السياسية؟

– بالفعل كان هناك إسقاط سياسي، ولكن كانت الثقة هي المبدأ، إلا في أحد المواقف خلال عام 1985، وفي أحد البرامج، كانت الجرعة السياسية كبيرة، حيث تطرّقت إلى ضرورة تدشين صحيفة ثانية في البحرين، وكان الراحل طارق المؤيد يفكر في نفس الأمر، ثم زاد الأمر عندما تطرقت للمطالبة بوجود نقابات في البحرين، ووصل إلى قمة الجبل بأغنية سياسية للفنان الراحل سلمان زيمان، وعندها حضر الأستاذ طارق المؤيد إلى التلفزيون، لكنه لم يطلب وقف بث البرنامج، إلا أن الموظف المسؤول عندما رأى ردة فعله قرر وقف البرنامج، ولم يتمّ قطع الحلقة ولكن كان القرار بعد انتهاء البث.

في اليوم التالي استدعانا طارق المؤيد، وقال: «إنتو شو مسوين؟.. رجعوا شغلكم.. ولو سويتوها مرة ثانية تحطون بطايقكم وتروحون بيوتكم تطبخون».

هذا يؤكد على أمر مهم وهو أنهم كانوا يحترمون تفكير الأشخاص الذين يعملون معهم، ولا يتعاملون معهم من منطلق المدير المسؤول، ولكن الندية في الفكر والعمل هي التي كانت تحكم العلاقة في ذاك الوقت، وهذا هو الاختلاف بين الأمس واليوم.

هل تغيُّر الأوضاع كان له أثر على المشاهدة والمتابعة؟

– اليوم «الله يعين تلفزيون البحرين»، بعد اختلاف الأجيال والأوضاع، فجيل اليوم لا يشاهد التلفزيون وسلم نفسه للتلفون الذي منحه الحرية في اختيار ما يشاهد وقت ما يرغب، بينما في السابق كنا نتجمّع عند الساعة 7:00 لمشاهدة المسلسل، ويتمّ وضع العشاء بالتزامن مع بداية العرض ليجتمع الكل أمام التلفزيون، وكان في السابق الجميع يعلم أن الفيلم الهندي أو الأجنبي أو العربي سيذاع عند الساعة 10:00، ولذلك تشكلت علاقة عائلية مع التلفزيون. اليوم اختلف الأمر وأسلوب المتابعة والمعيشة عند الناس، وليس عند الوزارة، وأنا أتابع حتى اليوم تلفزيون البحرين وأرى برامج مهمة وجميلة وتنافس محطات تلفزيونية كبيرة، ولكن لا أحد يسمع عنها لأن المتابعة قليلة.

– وما هو الحل برأيك؟

يجب أن تكون تلك البرامج شيئاً مهماً عند المتلقي، ويُضطر أن يتابعه، ولو لاحظت الشباب اليوم يتداولون أخباراً مفروضة عليهم في الإعلانات على هواتفهم، وللأسف مقاطع وأخبار سخيفة تفرض نفسها عليهم وتلاحقهم، ولذلك أتحدث هنا عن أسلوب الترويج للبرامج، وطرق البث المختلفة، فلابد اليوم أن أبحث عن طريقة أخرى للبث تناسب الجيل الجديد، وهذا الأمر ينطبق حتى على الصحف.

– اليوم ظهر الذكاء الاصطناعي.. فكيف ترى المستقبل؟

من المؤكد هناك إيجابيات وسلبيات للذكاء الصناعي، ولم يكن شيئاً جديداً بالنسبة للسينما، فقد ظهر قبل أكثر من 10 سنوات في أفلام عديدة تمّ استخدام نماذج أبطال لأداء أدوار عنهم، وتخفيض التكاليف اللوجستية لمواقع التصوير والكثير من الأمور.

لقد عشنا أجمل أيامنا في السينما، وقت أن كانت الأفلام تُطبع وهناك “نيجاتيف” وتوقعنا أن هذه هي الحياة، ثم ظهر الفيديو، وأصبح الفيلم في علبة، وكنا نصور 20 دقيقة على أقصى تقدير، ثم تطور الأمر، ووصل إلى ساعة ونصف، ثم ظهر “الديجيتال” واليوم يستطيع المخرج أن يصور فيلم 500 ساعة، بينما كنا في السابق نخشى إعادة التصوير؛ لأن المادة الخام مكلفة، وفي المستقبل سيكون لجيل اليوم ذكرياته عن الواقع الحالي الذي ترفضه الأجيال السابقة.

يوم أن جلب محمود الساعاتي أول سينما إلى البحرين، وانتقل بعدها إلى الأسطوانات حدثت مشكلة والناس رفضتها، بل إن شراء راديو كان يستلزم تصريحاً من الحكومة، ويجب لصقه على الراديو حتى تستطيع أن تشغله.

– دعنا ننتقل إلى الحياة العائلية، هل تزوجت عن حب؟

أنا أؤمن بالحب، وكانت أول قصة حب لي في القاهرة عام 1984، عندما أحببت ابنة الجيران العراقية التي كانت تسكن بجوار سكن طلبة البحرين، وأحببتها 3 سنوات، ثم تزوجنا ستة أشهر فقط، وقررنا الانفصال، لكننا إلى اليوم نتواصل، بعد أن أصبح لديها أولاد وحياة وأنا عندي حياتي.

وعندما رجعت إلى البحرين تزوجت مرة أخرى من مذيعة في تلفزيون البحرين وهي الراحلة سهام صنقور رحمة الله عليها، وهي أيضاً ظلت معي 6 أشهر، ثم انفصلنا دون أي خلاف، وظل التواصل إلى أن توفيت. بعد ذلك عزفت عن الزواج، وأحسست أن هناك مشكلة فيَّ، وبدأت التركيز في العمل لمدة وصلت إلى 16 سنة، إلى أن حدث موقف غريب في عام 2000، حين نظّمت مهرجان السينما العربية الأول في البحرين، وقررت دعوة إبراهيم جناحي صديق والدي الذي كان يمتلك أستوديو تصوير بجوار دكان أبي، وفي عام 1976 وضع إعلاناً إنه سيُخرج أول فيلم سينمائي للبحرين بعنوان “الأحدب”، إلا أنه توقف عن استكمال العمل؛ لأن شقيقه الذي لعب دور البطل توفي في حادث، ومنذ ذلك الحين لم يكرر التجربة، فذهبت إليه في المحل، ووجدت رجلاً كبيراً في السنّ مطأطئاً رأسه، يجلس في زاوية بالطابق الثاني، فسلمت عليه وذكرته بنفسي، وأعطيته دعوة حضور المهرجان، ثم سألته: كم عيال عندك؟ فرفع رأسه وطالعني بنظرة فيها معانٍ كثيرة، وقال: بسام.. أنا ما تزوجت.

رأيت مستقبلي في إبراهيم جناحي، وقلت ستكون هذه نهايتي، جالساً في زاوية وحيداً، فيأتي مخرج أو شاب، وأقوله له ما تزوجت.. وفي تلك اللحظة قررت الزواج.

ولأننا نعرف عوائل، وأشعر أن بناتهم أخواتي، فلم أفكر في إحداهن أن تكون زوجة لي، إلى أن ذهبت إلى صديقي الراحل عبدالرحمن الوزان في متجرهم، وطلبت منه الزواج من شقيقته، وقلت له: أريد الزواج من أختك الصغيرة، فما كان رده علي سوى أن قال: كلمها.. هي في المحل الثاني، فاتصلت بها وقلت: “أهلا.. شلونك.. سمعي.. أنا أبغي أزوجك”، فردت ضاحكة: “انت عاد.. انت مو بمال زواج ولا مال شي”، فقلت لها:” يا دنيا صج أبغى أزوجك.. إيش رأيك؟، لكنها أغلقت التلفون.. ومنذ ذلك الحين تزوجنا ومر على هذا الزواج اليوم 25 عاماً.


مصدر الخبر

شاهد أيضاً

إسرائيل تحتجز أكثر من 400 ناشط من 47 دولة على متن «أسطول الصمود»

إسرائيل تحتجز أكثر من 400 ناشط من 47 دولة على متن «أسطول الصمود»

أعترضت القوات البحرية الإسرائيلية أكثر من 400 ناشط من 47 دولة مؤيد لفلسطين كانوا على …