العمل الخيري في البحرين: استراتيجية إنسانية لمواجهة تقلبات العصر

في البحرين، يبرز العمل الخيري ليس باعتباره نشاطاً تطوعياً عابراً، بل كجزء أصيل من رؤية قيادية رسّخت منذ عقود أن التنمية الحقيقية لا تكتمل دون بعد إنساني واجتماعي.

إن دعم الحكومة، وعلى وجه الخصوص ما يوليه صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، وسمو الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة ممثل جلالة الملك للأعمال الإنسانية وشؤون الشباب، من رعاية واهتمام للعمل الخيري، يكشف عن بعد استراتيجي أعمق يتجاوز فكرة العطاء المباشر، ليكون استثماراً في استقرار المجتمع وترابطه وتهيئته لمواجهة تقلبات المستقبل، فالمبادرات الخيرية في البحرين لم تنشأ كحالة طارئة، بل تعود جذورها إلى بدايات النهضة الحديثة للدولة، حيث كان البعد الإنساني ملازماً لمسار البناء والتنمية.

هذا التوجّه يجد صداه اليوم في ظل عالم متقلب تتسارع فيه الأزمات الاقتصادية والإنسانية، فالإصرار على جعل العمل الخيري قيمة راسخة يعزّز من قدرة المجتمع البحريني على الصمود، ويشكّل صمام أمان أمام التحديات، وهو كذلك رسالة ضمنية بأن البحرين ترى في العطاء المشترك ركيزة للأمن الاجتماعي، وأن الاستثمار في الإنسان هو الضمانة الحقيقية للاستقرار.

هنا تتجلى نظرة القيادة التي لا تفصل بين التنمية المادية والارتقاء القيمي، حيث يرتبط المشروع الخيري دوماً ببعده الإنساني، ويتجسد في مبادرات تعليمية، صحية، بيئية، وشبابية، تقودها مؤسسات رسمية وأهلية على حد سواء.

عند مقارنته بما يجري على مستوى المنطقة، يتضح أن البحرين تسير وفق فكر عربي إسلامي أصيل يرى في التكافل الاجتماعي امتداداً لقيم حضارية راسخة، لكنها في الوقت نفسه تمنحه إطاراً عصرياً منظماً يواكب تطورات العصر، فبينما لاتزال بعض المجتمعات العربية تحصر العمل الخيري في إطاره التقليدي، أعادت البحرين صياغته كجزء من استراتيجيات التنمية الشاملة، بحيث أصبح مندمجاً في الخطط الوطنية ومواكباً لرؤية البحرين الاقتصادية والاجتماعية، هذا المزج بين الأصالة والحداثة هو ما يضفي على التجربة البحرينية خصوصيتها ويميزها في محيطها.

إن تعدد المبادرات، سواء في دعم الأسر المتعففة، أو رعاية الشباب وتمكينهم، أو المشاريع البيئية المستدامة، كلها تؤكد أن العمل الخيري ليس موسمياً بل سياسة مستمرة، وقد أسهمت شخصيات قيادية مثل سمو الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة في بلورة هذا المسار عبر مبادرات تعكس رؤية البحرين كدولة تسعى إلى الأمن والسلام، لا داخل حدودها فحسب بل في محيطها الإقليمي والدولي، هذه المبادرات تمثل رسالة إنسانية بأن البحرين لا تفصل بين تطورها الداخلي ومساهمتها في الجهد العربي والإسلامي المشترك، بل تعتبر أن خيرها متصل بخير محيطها.

في النهاية، يتجسّد البعد العميق لهذه الرؤية في حقيقة أن العمل الخيري في البحرين ليس مجرد مساعدة آنية، بل هو فعل مؤسسي استراتيجي يرسّخ قيم التضامن، ويعزّز اللحمة المجتمعية، ويؤكد على أن قوة الدولة لا تُقاس فقط بمؤشراتها الاقتصادية، بل بمدى ترسيخها لقيم العطاء والتكافل، إنها رسالة قيادة ترى أن مستقبل المجتمعات مرهون بقدرتها على أن تتشارك في بناء إنسان آمن، مطمئن، وقادر على مواجهة تحولات العصر.

ومن هنا، يصبح العمل الخيري البحريني شهادة على فكر إنساني أصيل، ورسالة حضارية تمتد من الداخل إلى المحيط، تحمل في جوهرها معنى الأمن والسلام الذي تتطلع إليه كل أمة تبحث عن مستقبل أكثر توازناً وإنسانية.

* إعلامية وباحثة أكاديمية


مصدر الخبر

شاهد أيضاً

وزيرة السياحة بالجمهورية اللبنانية تستقبل سفير البحرين في بيروت المقيم في دمشق

وزيرة السياحة بالجمهورية اللبنانية تستقبل سفير البحرين في بيروت المقيم في دمشق

استقبلت لورا لحود، وزيرة السياحة في الجمهورية اللبنانية الشقيقة، وحيد مبارك سيّار سفير مملكة البحرين …