الثروة الحيوانية البرية في إقليم البحرين في العصور الإسلامية

مثّلت الثروة الحيوانية البرية إحدى الركائز الأساسية في الحياة الاقتصادية والاجتماعية في إقليم البحرين خلال العصور الإسلامية. وقد أشار القرآن الكريم إلى فضل الأنعام بقوله: «وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ»، وامتدحها النبي (ص) في حديثه: «يوشك أن يكون خير مال المسلم غنماً يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر».

وقد تميّز إقليم البحرين، ببيئة طبيعية غنية وموارد وفيرة ساعدت على ازدهار هذه الثروة. يقول ابن خلدون: «في هذه البرِّية مشاتي للعرب تشتو بها منهم خلق أحياء لا يحصيهم إلا خالقهم»، وذكر الهمداني أنّ البحرين تحتوي على «جميع الحيوان إلا السباع». كما تعددت مواطن الرعي في هذا الإقليم، من الصمَّان شمالًاً إلى وادي المياه وواحات الجنوب، مستفيدةً من تنوع التضاريس ووفرة المراعي. ولم تكن المراعي فقط أرضاً مفتوحة، بل وُجدت حظائر خاصة تسمى «الدروس»، تُستخدم لتربية الحيوانات وتوفير الحماية لها. وكانت الأعلاف تُزرع خصيصاً للمواشي، كما استُفيد من فضلات الطعام ونواة التمر في تغذيتها. وإنّ من أبرز هذه الحيوانات الإبل، التي حظيت بمكانة مرموقة بين السكان، نظراً لفوائدها الجمّة في النقل والطعام واللبن والوبر. وقد عُرفت في الإقليم سلالات متميّزة مثل الإبل العبدية والقطرية والمهرية، التي ذكرها الإصطخري وابن حوقل ضمن «نجائب الإبل». وكان الأمراء العُيونيون يخصصون حِمى خاصة لإبلهم، واعتبر العرب الإبل من خير الأنعام وأفضل الثروات، علاوةً على ذلك أوردت كتب التراث أخباراً عن الخيل، ونظراً لارتباطها بشتى مجالات الحياة في منطقة البحرين سواءً في تاريخها قبل الاسلام أو في العصور الاسلامية فقد حظيت الخيول العربية باهتمام كبير من قبل سائر أهل البحرين من حكامها وأمرائها وقبائلها العربية فتعاهدوا على عنايتها وتربيتها وتدريبها خصوصاً الأصايل منها والحفاظ على نقاوتها وسلالاتها، كما شاعت تربية الأغنام والمواشي مثل الشياه العَبدية، التي عُرفت بجودتها حتى نُقلت إلى البصرة، وكان يُميزها علامة في أذنها. إضافةً إلى أنواع أخرى كغنم النقد والماعز الأخطليات، وكانت هذه الثروة تُمثّل مهراً ومدخراً للأهالي، وتُباع في أسواق مخصصة، وعرفت البحرين أيضاً العناية بتربية الطيور والتي نالت اهتماماً من قبل ملوكها وحكامها في سائر نواحي منطقة البحرين وتعددت استخداماتها خصوصاً للصيد، ونذكر منها الطيور الحرة ومن أنواعها الصقور والشواهين، ومن بين الطيور التي يصطادها أهل المنطقة طيور الحبارى. أما الأبقار، فقد كانت جزءاً من الحياة اليومية، يعتمد عليها الناس في الحليب والجبن والسمن، فضلاً عن استعمالها في الزَجِر (استخراج المياه من الآبار) وحرث الأرض. فنادراً ما يخلو بيت قادر من بقرة يعتمد عليها لتأمين غذائه الأساسي. كذلك شاعت تربية الدواجن لتوفير البيض واللحم، وكانت الطيور بأنواعها موجودة. وقد امتدت هذه الثروة لتشمل الضب في الصحارى، واستخدم الناس أدوات متنوعة في الصيد مثل السهام والحجارة والكلاب والشباك. حيث تدل كثافة الثروة الحيوانية على الازدهار الذي شهده الإقليم، علاوة أنّ الصناعات المحلية مثل صناعة اللباس قد ازدهرت معتمدة على صوف الأغنام.

وبذلك يتضح أنّ الثروة الحيوانية البرية كانت ركيزة أساسية في حياة إقليم البحرين خلال العصور الإسلامية، فقد أسهمت في الأمن الغذائي ووسائل النقل والصناعات التقليدية، وشكّلت عنصرًا مهمًا في الاقتصاد والمجتمع. وعلى الرغم من تغيّر أنماط الحياة اليوم، فإنّ كثيرًا من مظاهر هذه الثروة ما تزال حاضرة؛ فالإبل والخيل والصقور ما تزال جزءًا من الهوية التراثية للبحرين والخليج، وتُعتنى بها في المزارع والمضامير والفعاليات التراثية. كما تستمر تربية المواشي والدواجن في بعض المناطق، محافظةً على ارتباط المجتمع بجذوره القديمة. وهكذا يبقى هذا الموروث الحيواني جسراً حياً يصل الماضي بالحاضر، ويحفظ سمات الحياة التقليدية في الذاكرة والثقافة المعاصرة.

* باحثة في التاريخ وأكاديمية


مصدر الخبر

شاهد أيضاً

«البحرين الإسلامي» يوقع مذكرة تفاهم مع «ديار المحرق»

«البحرين الإسلامي» يوقع مذكرة تفاهم مع «ديار المحرق»

وقع بنك البحرين الإسلامي (BisB)، البنك الرائد في تقديم الحلول المالية الإسلامية المبتكرة والمبسطة في …