لم يعد الأمن السيبراني مسألة تقنية محصورة في مهندسين أو خبراء حواسيب، بل أصبح قضية سيادية واقتصادية وأخلاقية تمس كل دولة ومؤسسة وفرد يعيش في هذا العالم المترابط. فحين تنتقل الحياة اليومية إلى الفضاء الرقمي، تصبح حماية هذا الفضاء حمايةً للوطن ذاته، لأن البيانات اليوم هي الثروة، والمعلومة هي السلطة، والثقة الرقمية هي رأس المال الجديد في العلاقات بين الدول والمجتمعات.
الهجمات الإلكترونية لم تعد تقتصر على اختراق أنظمة أو تعطيل مواقع، بل يمكنها شل قطاعات كاملة من الاقتصاد، أو التأثير في استقرار مؤسسات مالية، أو حتى زعزعة الثقة بين المواطن والدولة. وفي عالمٍ تُقاس فيه القوة بالقدرة على التحكم في البيانات وحمايتها، أصبح الأمن السيبراني الحدود غير المرئية للأمن القومي.
وفي هذا السياق، تبرز أهمية استضافة مملكة البحرين للمؤتمر والمعرض العربي الدولي للأمن السيبراني (AICS 2025) بوصفها محطة استراتيجية في مسار بناء الوعي الإقليمي بالأمن الرقمي. فالمملكة، من خلال هذه المبادرة، تؤكد قدرتها على قيادة الحوار الدولي حول تحديات الأمن السيبراني، وترسيخ مكانتها كدولة تتعامل مع التحول الرقمي بروح المبادرة والمسؤولية. كما أن استضافة هذا الحدث العالمي تفتح آفاقاً واسعة أمام تبادل المعرفة وتطوير الكفاءات العربية، ما يعزز من مكانة البحرين كمركز إقليمي للتقنية والتأهيل المهني في قطاعٍ يُعد اليوم من أهم ركائز الأمن الوطني والاقتصادي.
من الجانب الاقتصادي، تشير التقديرات إلى أن تكلفة خروقات البيانات تجاوزت 4.4 مليون دولار في المتوسط عالمياً عام 2025، فيما يُتوقع أن يقفز حجم سوق الأمن السيبراني إلى أكثر من 878 مليار دولار بحلول 2034. هذه الأرقام تكشف حجم التحدي، لكنها أيضاً تؤكد أن الأمن الرقمي تحول إلى قطاع استثماري واستراتيجي يوازي في أهميته الطاقة والاتصالات.
أما على الصعيد الأخلاقي، فإن بناء منظومة أمنية رقمية لا يعني فقط صد الهجمات، بل تأسيس ثقافة رقمية قائمة على المسؤولية والشفافية والثقة. فالمجتمعات التي تفشل في حماية بياناتها تُهدد نسيجها الاجتماعي قبل اقتصادها.
ويكمن جوهر التحدي في العنصر البشري؛ إذ لا يمكن لأي منظومة تقنية أن تكون فاعلة من دون عقول تديرها بوعي ومهارة. تمكين الشباب وتأهيلهم في مجالات الأمن السيبراني لم يعد ترفاً أكاديمياً، بل هو استثمار في الأمن الوطني ومستقبل الاقتصاد الرقمي. فالدول التي تبني قدراتها البشرية في هذا المجال تضع أساس تفوقها في العقود القادمة.
إن العالم اليوم يعيش سباقاً جديداً، ليس نحو التسلح النووي أو العسكري، بل نحو امتلاك أدوات الدفاع الرقمي. والمنتصر في هذا السباق لن يكون الأقوى عسكرياً، بل الأكثر وعياً، والأسرع في بناء حصونه الرقمية. فالأمن السيبراني هو درع المستقبل، ومن يحمي فضاءه الرقمي اليوم، يحمي وجوده غداً.
مصدر الخبر
أخبار مصر اليوم اخبار مصرية حصرية