ماذا فعل كتاب «الضوء الأول» بهذه المديرة؟!

أؤمن، بأن أعظم ما يمكن أن يقدمه الإنسان للآخرين ليس خبرة عابرة ولا محاضرة تُنسى فور انتهائها، بل أثرٌ يستقر في القلوب والعقول، ويغيّر شيئاً داخلياً لا يراه إلا صاحبه. الأثر هو البصمة الحقيقية التي تبقى وهو الامتداد الأجمل للإنسان في حياة من حوله.

من أجمل الأمثلة ما عشته مؤخراً خلال تقديمي لمادة تدريبية نوعية ضمن برنامج «قيادات» الذي ينفذه معهد الإدارة العامة، والتي تُعنى بتحليل التوجهات الاستراتيجية في الخطابات الملكية لجلالة الملك المعظم، وهي رحلة معرفية عميقة نغوص فيها في تاريخ جلالته وفكره ورؤيته لبناء الدولة الحديثة.

نقرأ محطات حياته، ونربطها بقراراته، ونحلل كيف تحولت رؤاه الإصلاحية إلى مؤسسات ومشاريع غيّرت وجه البحرين ومنحها مكانتها الراسخة اليوم.

توقفت إحدى المديرات المشاركات عند كتاب «الضوء الأول» الذي كتبه جلالة الملك المعظم حين كان ولياً للعهد. حيث لفت نظرها ما قمت بشرحه عن أهمية هذا الكتاب كوثيقة فكرية وسياسية مبكرة، ترسم ملامح شخصية قائد أدرك طبيعة التحديات المحيطة بوطنه، ووثّق حقبة كاملة من تاريخ المنطقة برؤية واعية وخطاب متماسك.

هذه المديرة بدأت رحلة بحثها عن الكتاب، واستطاعت الحصول عليه وقرأته كاملاً، لا قراءة عابرة، بل قراءة تحليلية متعمقة، ربطت فيها بين أفكاره وسياق المرحلة التي كتب فيها، وبين التحولات التي شهدتها البحرين لاحقاً. ولم تكتفِ بذلك، بل قامت بكتابة مقال نُشر في إحدى صحفنا المحلية، تناولت فيه الكتاب من زاوية مميزة، أكدت أنه ليس مجرد سيرة فكرية، بل حجر الأساس لفهم مشروع حمد بن عيسى الإصلاحي الذي نقل البحرين نقلات نوعية في مختلف المجالات.

وهنا تحديداً كان موضع سعادتي العميقة. فقد شعرت بأن ما قدمته في هذه الدورة لم يكن مجرد معرفة عابرة، بل أثراً بقي حياً في ذاكرتها ودفعها إلى فعلٍ ملموس مبني على ما أخذته من محتوى وتحليل وفهم. وهنا أن ترى ثمرة ما تمنحه للناس تتحول إلى مبادرة أو مقال أو خطوة عملية، تلك لحظة تمنحك يقيناً بأن رسالتك وصلت، وأن العطاء الفكري لا يضيع.

وما زاد جمال هذا الأثر أنها ذهبت أبعد مما توقعت، إذ اقترحت باجتهاد واعٍ أن تتبنّى المؤسسات المعنية فعاليات ولقاءات تُعنى بمناقشة الكتاب وتحليل فلسفته، ليصل فكر جلالة الملك المعظم إلى أكبر شريحة من المجتمع، خصوصاً الشباب والقيادات المستقبلية، لأن هذا الكتاب يمثل خطاباً تأسيسياً لما تحقق من استقرار وتنمية وبناء دولة عصرية.

هذا النموذج وحده كان كافياً ليؤكد لي معنى «الأثر» الحقيقي.

فأجمل ما يمكن للمدرّب أو الكاتب أو حتى الإنسان العادي أن يحققه، هو أن يرى بذرة معرفة تكبر في عقل شخص آخر، وتتحول إلى فهم أعمق، ثم إلى مبادرة أو فكرة أو إضافة تثري المجتمع والوطن.


مصدر الخبر

شاهد أيضاً

«نسيج» توقع اتفاقية مع «انفراكورب» لشراء وحدات سكنية فاخرة في مشروع «مارينا بي» بجزيرة الريف

«نسيج» توقع اتفاقية مع «انفراكورب» لشراء وحدات سكنية فاخرة في مشروع «مارينا بي» بجزيرة الريف

أعلنت شركة نسيج، عن توقيع اتفاقية مع شركة إنفراكورب، الشركة الرائدة المتخصصة في الاستثمار في …