ليست المناورات العسكرية في جوهرها تدريباً على القتال بقدر ما هي اختبارٌ للثقة، وبناءٌ للمعنى الذي يحمي الأوطان حين تصمت البنادق وتتكلم المبادئ. تمرين «ربدان – شويـمان» بين البحرين والإمارات ليس مجرد مشهدٍ ميداني يعبّر عن جاهزيةٍ قتالية، بل هو عودةٌ واعية إلى التاريخ، إلى تلك اللحظة التي تجسّدت فيها الأخوّة لا كشعارٍ سياسي، بل كعهدٍ من الوفاء بين الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة والشيخ زايد بن خليفة آل نهيان – رحمهما الله – حين أهدى الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة حصانه الأصيل «شويـمان» إلى الشيخ زايد بن خليفة آل نهيان، وأرسل معه أبياتاً من الشعر تصف المحبة، وتغرس في الذاكرة معنى أن العلاقة بين البلدين الشقيقين لم تُبنَ على المصالح، بل على الصدق والنية الطيبة وصفاء السريرة.
واليوم، بعد أكثر من قرن، يُعاد إحياء رمزية تلك الهدية في ميدانٍ آخر، حيث تجتمع قوة دفاع البحرين والقوات المسلحة الإماراتية تحت راية تمرينٍ يحمل اسم «ربدان – شويـمان»؛ اسمين من صهيل الخيل الأصيلة، ومن روح التاريخ نفسه. هذان الرمزان اللذان عبرا الزمن ليصبحا أيقونةً للوفاء والثبات والاحترام المتبادل، يجسّدان أن الأخوّة بين البلدين ليست حدثاً عابراً، بل ذاكرة ممتدة في الرمال والدماء والمواقف. وفي كل مرةٍ يذكر فيها البحرينيون والإماراتيون هذه الأسماء، فإنهم لا يستحضرون فقط رموز الفروسية، بل يستعيدون ذلك العهد الذي توارثته الأجيال: أن الأمن لا يُصان بالسلاح وحده، بل بالتاريخ المشترك الذي يجعل من كل بندقية امتداداً لقصيدة، ومن كل تمرينٍ استمراراً لهديةٍ حملت في معناها رسالة حبّ قبل أن تحمل رمز قوة.
وتكتمل هذه المعاني في ظلّ الرؤية الاستراتيجية التي يقودها حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم القائد الأعلى للقوات المسلحة، الذي لم يفصل يوماً بين شرف القيادة وشرف الحضور؛ فوجود جلالته في الميدان ليس مجرد إشرافٍ على تمرين، بل ترجمةٌ لمفهوم القيادة التي تتنفس بين الصفوف، وتؤمن أن القائد لا يقف فوق المعركة بل في قلبها. تلك الفلسفة البحرينية المتفردة هي التي جعلت الميدان عندنا مكاناً للولاء كما هو ميدانٌ للجاهزية، ومنحت أبناء البحرين معنى أن الخدمة ليست وظيفة بل انتماء.
أما سمو الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة مستشار الأمن الوطني، قائد الحرس الملكي، أمين عام المجلس الأعلى للدفاع، فقد أعاد تعريف الأمن القومي في هذا التمرين، ليس كخطة دفاعية بل كفكرٍ عربيٍّ مؤمن بأن حماية الخليج تبدأ من وحدة القلب قبل توحيد الصف، وأن التحالف الصادق لا يُبنى على التوقيع، بل على التقدير والاحترام المتبادل.
في هذا الميدان، حيث «سرب محمد بن زايد» في سلاح الجو الملكي البحريني و«لواء حمد بن عيسى المحمول جواً» في القوات المسلحة الإماراتية، تتحدث الرموز قبل الكلمات، وتُرفع الأعلام لتقول إن العلاقة بين المنامة وأبوظبي ليست تحالفاً عابراً، بل ذاكرة منسوجة من الإيمان بالعهد الواحد والمصير الواحد.
وهكذا، حين تمتطي البحرين والإمارات جواديهما «ربدان» و«شويـمان»، فإنهما لا تنطلقان نحو تمرينٍ عسكري، بل نحو درسٍ للأجيال في معنى الأصالة، وكيف يمكن للذاكرة أن تحرس الأمن أكثر مما تحرسه الأسلحة، وكيف يمكن لعهدٍ بين الجدود أن يبقى نبضاً في صدور الأبناء.
همسة
يبرز سعادة فهد محمد سالم كردوس العامري، سفير دولة الإمارات لدى مملكة البحرين، كوجهٍ يجسّد عمق الأخوّة بين البلدين؛ حضوره الدائم ليس مجاملةً دبلوماسية، بل امتداداً صادقاً لعهدٍ قديمٍ من الوفاء والولاء، يجمع البلدين الشقيقين على قلبٍ واحد.
مصدر الخبر
أخبار مصر اليوم اخبار مصرية حصرية