العمل الخيري والإنساني | صحيفة الوطن

لكل القائمين على شؤون العمل الخيري والإنساني، هم بلا شك على ثغرة مهمة من ثغرات الخير والعطاء الإنساني بلا حدود، فهم خلفاء الله تعالى على أرضه، يؤدون رسالة عظيمة الشأن ورفيعة القدر، لها ما لها من أجور في الآخرة، وأثر في الدنيا الفانية. لذا، فليس كل من وطأت قدمه محيط العمل الخيري يعتبر نفسه قامة مثلى في قيادة الركب، أو قدوة يحتذى بها في استراتيجيات هذا العمل، وقوامه، وأبعاده. لهذا العمل خبرات متراكمة من العطاء والأثر والتجارب الميدانية، فالعمل الخيري نموذج عملي ميداني من خلال التفاعل مع الناس، وتوصيل احتياجاتهم، وممارسته بصورة فعلية عبر المشاركات الخيرية والتطوعية في كافة المناشط، وليس مجرد أقاويل تُكتب، أو ممارسات نظرية خالية من إطار الواقعية. نحن بحاجة إلى خبراء يؤطرون هذا العمل ويشجعون الشباب على ممارسة العمل التطوعي الخيري المؤثر.

هناك فرق شبابية معطاءة، وأفراد ساهموا في تأسيس العديد من المؤسسات والفرق التطوعية الإنسانية، والتي ساهمت في إضفاء صورة حقيقية مؤثرة ومقنعة للعمل الخيري الإنساني. وقد أثر ذلك في فئة كبيرة من الشباب، الذين أحبوا هذا النوع من العمل، وبخاصة الأعمال المرتبطة بالمشاركات الإنسانية الخارجية، سواء الإغاثية منها، أو تلك المرتبطة ببعض البيئات الفقيرة المحتاجة إلى الدعم والتطوير فيما يخص المشاريع الإنسانية المستدامة.

لقد أعجبتني الطاقة الإنسانية الإيجابية للناشطة الخيرية فاطمة الخاجة، خلال حوارها في «بودكاست سوالف إنسانية» الذي أنتجته المؤسسة الملكية للأعمال الإنسانية. الحوار كان مليئاً بالحب والإنسانية وروح العطاء والمبادرة. ومن خلال متابعتي للأخت فاطمة، وتأسيسها لمؤسسة Volar World والأنشطة التي تقوم بها من خلال رحلات «زنجبار»، والتطوير الكبير الذي أحدثته باستحداث عدد آخر من الرحلات الإنسانية لعدة دول، لمست روح الشغف والإبداع لديها، وحبها للعطاء، والتأثير، والأثر الكبير الذي تتركه في نفوس المشاركين من مختلف الأعمار، بمشاركة واسعة من عدد من الدول، حتى إن البعض اعتاد المشاركة سنوياً في نفس المكان.

نحتاج لمثل هؤلاء المؤثرين والناشطين، ولمثل هذه المشروعات أن تتعدد وتتوسع. فإنما ترتقي شخصيات شبابنا وأبنائنا بمثل هذه المشاركات الميدانية العملية، وفي بيئات تخلو من أبسط مقومات الحياة الإنسانية. كل التقدير للأخت فاطمة ولفريق عملها، ولكل المشاركين معها في الرحلات الإنسانية المعطاءة، فهذا أسلوب تربوي رفيع.

من رؤية الشيخ د. عبدالرحمن السميط، رائد العمل الخيري الإنساني، الذي قضى أكثر من 29 سنة ينشر الإسلام في قارة أفريقيا وأسلم على يديه أكثر من 11 مليون شخص، كان حريصاً على كل دينار يُصرف في عمل الخير، يقول: «أموال الناس التي دفعوها لعمل الخير، لا يمكن أن أفرط في دينار واحد منها». وورد عنه أنه كان يقف كل مساء على الحلقات المستديرة التي تجمع الأيتام لقراءة القرآن الكريم، ينتقل من حلقة إلى أخرى ليطمئن على حفظهم لكتاب الله تعالى، ثم يخرج بعد العشاء ليطمئن عليهم هل ناموا! وعندما كان يُسأل عن صنيعه هذا، يقول: «يا أخي، نحن لا ننتظر شهادات من أحد، نحن عملنا في الميدان وننتظر من الله تعالى فقط أن يتقبل منا».

وكان نادراً ما يقدم المال للمحتاجين، بل كان يحرص على تأسيس مشروعات تنموية صغيرة تكسب منها الناس ما يعينهم على العيش بكرامة. وعندما سئل ذات مرة متى النهاية؟ أجاب: «النهاية حتى يأتي اليقين، فالحساب عسير عسير، وأنتم لا تعرفون ذنوب عبدالرحمن السميط. سألقي عصا الترحال يوم أضمن الجنة لي، وما دمت دون ذلك فلا مفر من العمل حتى يأتي اليقين، فالحساب عسير. كيف يُراد لي أن أتقاعد وأرتاح والملايين بحاجة إلى من يهديهم؟ وكيف أرتاح بدنياً وكل أسبوع يدخل الإسلام العشرات من خلال برامجنا؟».

نحن بحاجة لمثل هذه الشخصية الإنسانية العذبة، التي آمنت بدورها في خلافة الله تعالى على أرضه، وآمنت بمبادئ الخير والعطاء والإنسانية الحقيقية، لا أن تقف على جدار الخذلان، وتتهافت نحو المنغصات والمناوشات والجدال العقيم. نحتاج إلى عقول تفهم كيفية سير أعمال الخير، وكيف تؤسس لميادين الإنتاج والاستدامة الحقيقية. نحتاج إلى آلاف يحملون ما كان يحمله همه عبدالرحمن السميط رحمه الله، الذي ترك رفاهية الحياة وعاش في القارة السوداء بين المحتاجين، واستطاع أن يؤسس لمفاهيم واقعية وصادقة للعمل الخيري الإنساني، المبني على الإنتاج الحقيقي، والأثر المستدام، وبسواعد أناس صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وكان ديدنهم إسعاد الناس، ومساعدتهم على العيش بعزة وكرامة، وحمل الراية التي حملوها من قبلهم، حتى تتوارث القيم للأجيال.

كم هو جميل العطاء عندما تمارسه مع أولئك الصادقين في مساعيهم الخيرة، أولئك الذين نذروا أنفسهم وحياتهم لله تعالى وحده، وفهموا مقاصد العيش، والتفتوا لمعالي الأمور، وحرصوا على التغيير، والتطوير، وتأسيس المشاريع الناجحة المستدامة، عديدة المنافع، وذات الأثر البعيد. العطاء ليس مرتبطاً بمرحلة زمنية معينة، ولا بعمر معين، بل هو يسري في شرايين جسد أمة الإسلام، في جسد كل من عرف مغزى وجوده على هذه البسيطة.

قد يتأخر البعض عن اللحاق بأولئك المجتهدين من الشباب والكبار، الذين نذروا حياتهم للعطاء والخير والإنسانية، لكن، هناك متسع كبير من الوقت، ما دامت أنفاس الحياة باقية، وما دام الإنسان يفكر بأن يكون شخصية فاعلة ورائداً من رواد الخير والإنسانية، فلا يستسلم لمحطات ضعيفة يقودها بعض العقول العقيمة، بل يفكر بأن يتنفس الصعداء في مساحات أكبر في الكون كله. فالخير باقٍ إلى يوم القيامة.

ومضة أمللا تسأل متى النهاية ما دمت تتنفس أنفاس الخير، واسأل الله تعالى دائماً القبول، وأن يجعلك فارساً معطاءً في ميادين الحياة، بأثرك الجميل.


مصدر الخبر

شاهد أيضاً

هيئة جودة التعليم والتدريب تكرم 7 مؤسسات تدريب مهني لحصولها على ختم الجودة الذهبي

هيئة جودة التعليم والتدريب تكرم 7 مؤسسات تدريب مهني لحصولها على ختم الجودة الذهبي

نظّمت هيئة جودة التعليم والتدريب، بالتعاون مع وزارة العمل، حفلًا لتكريم مؤسسات التعليم والتدريب المهني …