الشرف بأن تكون «خادماً»!! | صحيفة الوطن

ما أراه جميلاً، أن المشهد الإداري في بعض القطاعات الخدمية مازال يقدّم نماذج مشرّفة لمسؤولين أدركوا جوهر العمل العام، وهنا أعني «خدمة الناس».

هذه الشريحة من المسؤولين هم من يفتحون أبوابهم للمواطنين، ويستقبلون الاستفسارات والشكاوى بصدور رحبة، ويعتبرون التواصل المستمر جزءاً أصيلاً من مهامهم اليومية.

مثل هؤلاء لا يختبئون خلف المكاتب ولا يتحصّنون بالهالة الرسمية؛ بل ينزلون إلى الميدان، يراقبون سير العمل، ويستمعون مباشرةً لصوت المواطن الذي أصبح اليوم العميل الأهم في أي جهة خدمية.

علينا تذكير أنفسنا بأن تقديم الخدمات بجودة عالية ليس تفضّلاً ولا مبادرة استثنائية، بل هو الأساس الذي تُبنى عليه شرعية أي جهة خدمية.

هنا قبل الحديث عن رضا المواطن أو تطوير المنظومات، يجب أن يكون الحد الأدنى من الجودة مكتملاً، وأن يكون الموظف مؤمناً بأن وظيفته ليست سلطة بل مسؤولية. ورغم أن منظومة العمل الحكومي تخضع لنظام الخدمة المدنية، إلا أن بعض الموظفين، بل حتى بعض المسؤولين، يتعاملون مع كلمة «خدمة» بتحفظ أو استياء، وكأنها تنتقص من مكانتهم. وهذا خطأ في الفهم قبل أن يكون مشكلة في السلوك.

السؤال هنا، هل هناك شرف أعظم من أن يخدم الإنسان وطنه وأهله؟! وهل هناك مكانة أعلى من أداء رسالة إصلاحية وإنسانية تمس حياة الناس اليومية؟!

مقولة «سيد القوم خادمهم» لم تُخلَّد عبثاً، بل لأنها تضع المعنى الحقيقي للمقام والمسؤولية أمام كل من يتصدر موقعاً عاماً.

مملكة البحرين اختارت تسمية جهازها الإداري بـ«ديوان الخدمة المدنية» وبعدها أصبح «جهاز الخدمة المدنية» وجاء ذلك عن قصد ومعنى؛ إذ التسمية أبعد من كونها وصفاً إدارياً، إذ هي تعبير عن ثقافة أعمق، ثقافة العطاء، والالتزام، والعمل لأجل المجتمع.

كلمة «خدمة» هنا ليست توصيفاً وظيفياً، بل هوية وطنية وأخلاقية. ومن يستوعب هذا المعنى تجده منفتحاً على الناس، متواضعاً في التعامل معهم، يشرّفه أن يكون قريباً منهم، لأن هدفه ليس المنصب ولا امتيازاته، بل أثر العمل وصدق الرسالة.

وليس بعيداً عن هذا النهج التاريخي ما فعله الملك فيصل رحمه الله حين سمّى نفسه خادم الحرمين الشريفين، ثم ما تبعه من ترسيخ رسمي للتسمية في عهد الملك فهد. هنا كانت الرسالة واضحة، إذ مهما علا المقام، فإن الغاية هي خدمة الناس والقيام على مصالحهم، وهذا المعنى هو امتداد لجوهر رسالة الاستخلاف في الأرض.

اليوم، من يعمل بضمير ويجتهد من أجل «خدمة الناس» هو من يستحق مكانه في أي موقع مسؤولية. وهو من يرفع قيمة المؤسسة التي يعمل فيها، ويشرّف الوطن الذي يمثله، وتفخر القيادة بوجوده. فالمناصب لا تصنع أصحابها، بل الناس يصنعون قيمة المناصب حين يؤدونها بما يليق بها.


مصدر الخبر

شاهد أيضاً

الخبير الأممي الرحومي: تعاون بين دول «التعاون» للحَدّ من الاحتيال المنظّم

الخبير الأممي الرحومي: تعاون بين دول «التعاون» للحَدّ من الاحتيال المنظّم

أيمن شكل أشار خبير مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، العميد د. جمعة علي الرحومي، …